فصل: تفسير الآية رقم (130):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (130):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما رجاهم موسى عليه السلام بذلك، أخبر سبحانه أنه فعل ما أخبرهم به، فذكر مقدماته فقال: {ولقد} أي قال لهم ما قال والحال أنا وعزتنا قد {أخذنا} أي قهرنا {آل فرعون} ولينّا عريكتهم وسهلنا شكيمتهم {بالسنين} أي بالقحط والجوع، فإن السنة يطلق بالغلبة على ذلك كما تطلق على العام؛ ولما كانت السنة تطلق على نقص الحبوب، صرح بالثمار فقال، {ونقص من الثمرات} أي بالعاهات إن كان الماء كثيرًا، أو السنة للبادية والنقص للحاضرة {لعلهم يذكرون} أي ليكون حالهم حال من يرجو ناظره أن يتذكر في نفسه ولو بأدنى وجوه التذكر- بما أشار إليه الإدغام، فإن الضر يزيل الشماخة التي هي مظنة الوقوف مع الحظوظ ويوجب للإنسان الرقة فيقول: هذا إنما حصل لي بسبب تكذيبي لهذا الرسول وعبادتي من لا يكشف السوء عن نفسه ولا غيره. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه: {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} [الأعراف: 129] لا جرم بدأ هاهنا بذكر ما أنزله بفرعون وبقومه من المحن حالًا بعد حال، إلى أن وصل الأمر إلى الهلاك تنبيهًا للمكلفين على الزجر عن الكفر والتمسك بتكذيب الرسل، خوفًا من نزول هذه المحن بهم فقال: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
السنين جميع السنة قال أبو علي الفارسي: السنة على معنيين: أحدهما: يراد بها الحول والعام والآخر يراد بها الجدب وهو خلاف الخصب فمما أريد به الجدب هذه الآية وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسف» وقول عمر رضي الله عنه: إنا لا نقع في عام السنة، فلما كانت السنة يعني بها الجدب، اشتقوا منها كما يشتق من الجدب.
ويقال: أسنتوا، كما يقال أجدبوا.
قال الشاعر:
ورجال مكة مسنتون عجاف.. قال أبو زيد: بعض العرب تقول، هذه سنين ورأيت سنينًا، فتعرب النون.
ونحوه قال الفراء: ومنه قول الشاعر:
دعاني من نجد فإن سنينه ** لعبن بنا وشيبننا مردا

قال الزجاج: السنين في كلام العرب الجدوب، يقال مستهم السنة ومعناه: جدب السنة.
وشدة السنة.
إذا عرفت هذا فنقول: قال المفسرون: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين} يريد الجوع والقحط عامًا بعد عام، فالسنون لأهل البوادي {وَنَقْصٍ مّن الثمرات} لأهل القرى.
ثم قال تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
ظاهر الآية أنه تعالى إنما أنزل عليهم هذه المضار لأجل أن يرجعوا عن طريقة التمرد والعناد إلى الانقياد والعبودية، وذلك لأن أحوال الشدة ترقق القلب وترغب فيما عند الله، والدليل عليه قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر في البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] وقوله: {وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} [فصلت: 51].
المسألة الثانية:
قال القاضي: هذه الآية تدل على أنه تعالى فعل ذلك إرادة منه أن يتذكروا، لا أن يقيموا على ما هم عليه من الكفر.
أجاب الواحدي عنه: بأنه قد جاء لفظ الابتلاء والاختبار في القرآن، لا بمعنى أنه تعالى يمتحنهم، لأن ذلك على الله تعالى محال، بل بمعنى أنه تعالى عاملهم معاملة تشبه الابتلاء والامتحان، فكذا هاهنا والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ بالسِّنِينَ}.
فيه قولان:
أحدهما: يعني بالجوع، قاله مجاهد، وقتادة.
والثاني: أن معنى السنين الجدوب، قاله الحسن.
والعرب تقول: أخذتهم السنة إذا قحطوا وأجدبوا.
وقال الفراء: المراد بالسنين الجدب والقحط عامًا بعد عام. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} الآية.
أخبر أنه أخذ آل فرعون في تلك المدة التي كان موسى يدعوهم فيها بالسنين وهو الجدوب والقحوط، وهذه سيرة الله في الأمم، وكذلك فعل بقريش والسنة في كلام العرب: القحط ومنه قول ليلى والناس مسنتون، وسنة وعضة وما جرى مجراها من الأسماء المنقوصة تجمع بالواو والنون ليس على جهة جمع السلامة لكن على جهة العوض مما نقص، وكذلك أرض توهموا فيها نقص هاء التأنيث لأنه كان حقها أن تكون أرضه، وأما حرة وأحرون فلأن التضعيف أبدًا. يعتل فتوهموه مثل النقص، وكسر السين من سنون وسنين وزيادة الألف في أحرين دليل على أنه ليس بجمع سلامة.
وقوله تعالى: {ونقص من الثمرات} روي أن النخلة كانت لا تحمل إلا ثمرة واحدة، وقال نحوه رجاء بن حيوة، وأراد الله عز وجل أن ينيبوا ويزدجروا عما هم عليه من الكفر، إذ أحوال الشدة ترق القلوب وترغب فيما عند الله. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين}.
قال أبو عبيدة: مجازُه: ابتليناهم بالجدوب.
وآل فرعون: أهل دينه وقومه.
وقال مقاتل: هم أهل مصر.
قال الفراء: {بالسنين} أي: بالقحط والجدوب عامًا بعد عام.
وقال الزجاج: السنون في كلام العرب: الجدوب، يقال: مستهم السَّنة، ومعناه: جدب السَّنة، وشدة السَّنة.
وإنما أخذهم بالضراء، لأن أحوال الشدة، تُرِقُ القلوب، وتُرغِّب فيما عند الله وفي الرجوع اليه، قال قتادة: أما السنون، فكانت في بواديهم ومواشيهم، وأما نقص الثمرات، فكان في أمصارهم وقراهم.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: يبس لهم كل شيء، وذهبت مواشيهم، حتى يبس نيل مصر، فاجتمعوا إلى فرعون فقالوا له: إن كنت ربًا كما تزعم فاملأ لنا نيل مصر، فقال: غُدْوة يصبِّحكم الماء، فلما خرجوا من عنده، قال: أيَّ شيء صنعت؟ أنا أقدر أن أجيء بالماء في نيل مصر غدوة أصبح، فيكذِّبوني؟! فلما كان جوف الليل، اغتسل، ثم لبس مِدرعة من صوف، ثم خرج حافيًا حتى اتى بطن نيل مصر فقام في بطنه، فقال: اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر أن تملأ نيل مصر ماء، فاملأه، فما علم إلا بخرير الماء لما أراد الله به من الهلكة.
قلت: وهذا الحديث بعيد الصحة، لأن الرجل كان دهريًا لا يثبت إِلهًا، ولو صح، كان إقراره بذلك كاقرار ابليس، وتبقى مخالفته عنادًا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بالسنين} يعني الجدوب.
وهذا معروف في اللغة؛ يقال: أصابتهم سَنَة، أي جَدب.
وتقديره جَدْبُ سنة.
وفي الحديث: «اللَّهُمَّ اجعلها عليهم سِنين كسِني يوسفَ» ومن العرب من يُعرب النون في السنين؛ وأنشد الفراء:
أرَى مَرّ السنينِ أخَذْنَ مِنّي ** كما أخَذَ السِّرار من الهلال

قال النحاس: وأنشد سيبويه هذا البيت بفتح النون؛ ولكن أنشد في هذا مالا يجوز غيره، وهو قوله:
وقد جَاوَزْتُ رأسَ الأربعينِ

وحكى الفراء عن بني عامر أنهم يقولون: أقمتُ عنده سِنِينًا يا هذا؛ مصروفًا.
قال: وبنو تميم لا يصرفون ويقولون: مضت له سنينُ يا هذا.
وسنينُ جمع سنة، والسنة هنا بمعنى الجدب لا بمعنى الحَوْل.
ومنه أسْنَتَ القوم أي أجدبوا.
قال عبد الله بن الزِّبَعْرى:
عَمْرُو العُلاَ هَشَمَ الثَّرِيد لقومه ** ورجالُ مكةَ مُسنِتُون عِجافُ

{لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي ليتعظوا وترِق قلوبهم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} يعني بالقحط والجدب.
تقول العرب: مستهم السنة بمعنى أخذهم الجدب في السنة ويقال أسنتوا كما يقال أجدبوا قال الشاعر:
ورجال مكة مسنتون عجاف

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف» ومعنى الآية: ولقد أخذنا آل فرعون بالجدب والقحط والجوع سنة بعد سنة {ونقص من الثمرات} يعني وإتلاف الغلات بالآفات.
قال قتادة أما السنون فلأهل البوادي وأما نقص الثمرات فلأهل الأمصار {لعلهم يذكرون} يعين لعلهم يتعظون فيرجعوا عما هم فيه من الكفر والمعاصي وذلك لأن الشدة ترقق القلوب وترغب فيما عند الله من الخير. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون}.
الأخذ التناول باليد ومعناه هنا الابتلاء في المدّة التي كان أقام بينهم موسى يدعوهم إلى الله ومعنى بالسنين بالقحوط والجدوب والسنة تطلق على الحول وتطلق على الجدب ضد الخصب وبهذا المعنى تكون من الأسماء الغالبة كالنجم والدّبران وقد اشتقوا منها بهذا المعنى فقالوا أسنت القوم إذا أجدبوا ومنه قوله:
ورجال مكة مسنتوون عجاف

وقال حاتم:
فإنا نهين المال من غير ضنّة ** ولا يستكينا في السنين ضريرها

وفي سنين لغتان أشهرهما إعرابها بالواو ورفعًا والياء جرًّا ونصبًا وقد تكلف النحاة علة لكونها جمعت هذا الجمع والأخرى جعل الإعراب في النون والتزام الياء في الأحوال الثلاثة نقلها أبو زيد والفراء، وقال الفراء: هي في هذه اللغة مصروفة عند بني عامر وغير مصروفة عند غيرهم والكلام على ذلك أمعن في كتب النحو وكان هذا الجدب سبع سنين، قال ابن عباس وقتادة: أما السّنون فكانت لباديتهم ومواشيهم وأما نقص الثمرات فكان في أمصارهم وهذه سيرة الله في الأمم يبتليها بالنقم ليزدجروا ويتذكروا بذلك ما كانوا فيه من النعم فإنّ الشدة تجلب الإنابة والخشية ورقة القلب والرجوع إلى طلب لطف الله وإحسانه وكذا فعل بقريش حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف وروي أنه يبس لهم كل شيء حتى نيل مصر ونقصوا من الثمرات حتى كانت النخلة تحمل الثمرة الواحدة ومعنى {لعلهم يذكرون} رجاء لتذكرهم وتنبههم على أن ذلك الابتلاء إنما هو لإصرارهم على الكفر وتكذيبهم بآيات الله فيزدجروا. اهـ.